وسيكون عليك أن تكون ممتنا!!!!

  الأقارب تمازج غريب ومثير للحيرة كما هو مثير للدهشة، اجتماع كل ذلك الكم من أعمار المختلفة والشخصيات المتنوعة في مكان واحد، حيث تكون العائلة كبيرة يكون عليك أن تعيش أكثر اللحظات غرابة وطرافة في الحياة ، هنا عندما يلتقي الكل تكون ساحة للصراع للمنافسة للحب وللود أيضا، كما تكون أرضا خصبة للأحقاد والضغائن. تعرف العائلة على أنها تجمع دموي قبل أن يكون بمنطق آخر، كصداقة، أو الأخوة، أو أي شيء آخر، منها شخصيات تحب الظهور تكون على الواجهة تراه يخطف الأنظار ، ويستفرد بالحديث، يكون محط سخط لغيره طبعا خصوصا ذلك الهادئ المتعالي، الذي لا يحشر نفسه في حوار لا يتسم بالرقي وبتبادل عادل لأطراف الحديث، فيما يرى غيره أنه شخص ممل، بالمقارنة مع الشخصية الحاكمة، إلى أنه من أكثر أشخاص طيبة ومودة، وإطلاع وحكمة، يتسم البعض بكونه حياديا في كل شيء في أرائه في طبعه في لباسه وأكله حتى تتسم حياته بالحادية، لا ترى له انجازا سيئا ولا حتى ايجابيا ، يكون دائما موجودا والكل يشعر به لكنه لا يقدم الكثير لكنه شخص محبوب غالبا، على النقيض نجد ذلك النقدي الدائم التشكي ثرثار بطبعه، ومستبد برأيه، لا يمكنه إمساك لسانه عن غ...

شقاء أرملة

 اليوم اخترت أن اشارككم قصة قصيرة، قصة لكل امرأة اختارت أن تكون امرأة كاملة، لا سراب على هيئة امرأة، على مدونة Sand Rose Pen بقلمي وردة الرمال.


شقاء أرملة

شقاء أرملة

إن الفكرة الخلاقة في نفس الإنسان تنير في روحه الكثير مما قد لا يفكر فيه يوما، كان هذا حال مروان الصبي الشقي الذي ولد لامرأة رحل عنها زوجها وهي لا تدري حتى انه ترك لها شعلة تتقد يوما بعد يوم في أحشائها، فتدرك ذلك وقد أدركتها حسرة على نفسها و أكثر منه على ابنها هذا الذي لم يرى النور بعد.

 راح يكبر وتستدير بطنها شيئا فشيئا، حتى وضعته ذات مساء بعد الغسق، بعد مخاض عسير، نظير الحسرة و الألم على فراق حبيبها، قتل زوجها على يد رجل وصف بالمجنون، و هو راجح العقل ثابت الخطى حين اضمر في نفسه قتل الرجل المسكين، يصفه الناس بالمجنون، ولكنه كان أعقل الناس فقد ارتكب الجرم وهو راغب لا محجم مدرك لا مجبر.

وضعت مريومة، وقد أتخذ لها هذا الاسم من اسمها الحقيقي ألا وهو مريم، صبيا مشرقا صبوح الوجه و سمات، لا تفرق سماته عن أبيه، و كأنه لحسرة أمه وطول التفكير في زوجها الصريع راحت تسبغ كل لمحة في ذاكرتها وكل صورة على محيا الجنين في أحشائها، فقد كان آية حيه للزوج الميت.

حتى إن جدته لأبيه قررت من نفسها و دون العودة إلى رأي الأم النافس بأن تسميه على اسم أبيه، فكان من الأم غير إذعان إلى رأي العجوز الطاعنة في السن، وقد أبدت ولعها بحفيدها الذي لا يفرق عن صورة أبيه وهو في اللفة يوم ولدته هي، كما شعرت بالزهو والكبر من فحولة ابنها الذي خلف خلفه ابنا وهو لا يدري، وراحت تردد المثل القائل " لي خلف ما مات ".

سرور العجوز بحفيدها لم ينسها بعد الكره الذي تكنه لزوجة ابنها، و مازالت رغم هذه الهدية الجميلة التي حباها الله بها لتعوضها عن فُقّد ابنها، لم يشّفع هذا للأم الأرملة أن تنال بعض الحب و الود مثل ما ناله هذا الصبي الرضيع، بل مزال الغل و الحقد يُعشش في قلب العجوز من هذه المرأة ذات فأل السوء على ابنها، و مازالت تتمنى لو أن الحياة أمهلت ابنها لزوجته غيرها من النساء أجدر في نظرها له من هذه المرأة.

لم تضق الأرملة من أم زوجها ولو مرة بل راحت تهب نفسها في خدمة زوجها و العناية به اشد العناية يوم كان حيا، و كان هذا يضمر نيران البغض في قلب العجوز أكثر، فاستعلاء هذه المرأة عن ترهات الغيرة، تغار الأم على ابنها من زوجته و تغدو عدوا لا تهدأ نيران غضبه على عدوه البائس، الذي ليس له الحيلة ولا العتاد للوقوف في جبهة القتال، و هذا العزوف عن التقدم إلى ساحة المعركة يلهب البغض أكثر فأكثر، فراحت العجوز تكيد لها المكائد و الكنه ترى وتسمع عازفة عن الإتيان بأي رد، لم يستبن للعجوز التي أعماها الحقد على زوجة ابنها، كم الحب الذي أبداه لزوجته ولا حتى كم الراحة والسكون الذي عاشه في كنفها تلك الأيام القلائل.

شب الحفيد بين حقد الجدة و عزوف الأم عنها، فكانت تدس عن غير قصد في رأس حفيدها الكثير من الأفكار التي لم يرها ولم يصدقها يوما لكنه مدرك لما تقول الجدة، وراحت الأرملة هي أخرى لا تقول شيئا عن حماتها غير السؤال عن حالها، فوقع الحب الفطريُ في قلب الصبي لأمه، و وقع البغض للجدة التي ما تفك تدس السموم في عقله، ونظير هذا الفكر العادل والمُتقد للفتى الذي أبدى عكس ذلك ظاهرا.

كان صبيا شقيا لا يسمع كلام احد ولا يأبه لرأي احد، فكانت الجدة تشعر بالزهو إذا أبدى شجاعة وتمرد الصبيان وغيره مما ينم عن رجولة مقبلة في الأفق البعيد من الزمن، ولكن إذا أبدى سلوكا منحرفا كانت تعزو ذلك إلى قلة أدب زرعتها فيه الأرملة المهملة لابنها، لم تكن كذلك طبعا ولكنه الرأي إذا عمى عن الحقيقة.

فقد تركت الأرملة ابنها يلعب في الشوارع مع أقرانه من الصبيان، ومنحته من الحرية الكثير فغدا ذلك إهمالا منها في حق ابنها، على خلاف لو أنها أمسكته عن لعب لقالوا إنها تحبس ابنها عن طفولته، لكنَّ أرملة ارتأت عدم إنصات لهمسات النسوة وتركت ابنها ينهل من منابع الطفولة حتى تجف على أعتاب الرجولة، يوم يقر الزمن بذلك، فشبَّ لاعبً لكل لعبة، حافظا لكل دهليز، ومجربا لكل عبث الطفولة، فعُلم ذلك على جسده، الندوب التي أحدثها شجار هنا أو سقوط هناك، واثر اللعب الخشن الذي يبديه الصغار من الذكور في عمر الطفولة البريئة.

فكان ينمو وهو يرمي خلف ظهره ذلك التمرد البادي ويكتسب رجاحة عقل وفهم طالب ورغبة رجل على أعتاب الشباب، ورزانة حكيم اكتسبها من أمه قبل أن يكتسبها من الحياة حوله، وفي مرحلة ما غابت الحيرة من موقف الأم والجدة وحل محله الإدراك لكُنه الأمور فصار يعزف عن أحاديث الجدة العجوز، وراغبا في حضن الأم الحنون، وقت بدأت الحياة تكشر عن أنيابها وتريه  قبحها يوما بعد يوم فكان يستعين عليها بحب الأم.

كان يزور جدته بين الفينة وأخرى يطلع على حالها وينظر في أمورها، ولكن الجدة ذاقت به ضرعا وأشاحت عنه إلى غيره من أحفادها نظير النهج الذي سلكه غير ما كانت تريد له، ابنا بارا بها حتى على سوء سجيتها، ولكن الله عدل كفت الميزان ورجح البر للأم فأولى الأم الطيبة الصابرة إلى إرادة القدر وترك عنه بغض الجدة وشرور نفسها.

لم يمهل الزمن العجوز الطاعنة في السن أكثر من ذلك فغادرت إلى رحاب العالم الأخر، وقد جاوزت التسعين تاركتا كما تحسد عليه من الأحفاد وأحفاد الأبناء منه ماراقها سلوكه ومنه من خاب ضنها به، كمروان الذي أرادت أن تعيش إلى اليوم الذي تزوجه هي، و تطفئ نار غليلها في خيبة ابنها يوم اختار أمه دون أن ترضى عنها.

كبر مروان و اشتد عوده و غدا محبا للعلم ومبديا نزعة للتفوق، فكان له بين الجميع حضوه الفاهم وتقدير المتعلم، وبين اقرأنه حسدا وإعجابا من عقله الراجح وعوده الغض الذي اثبت به تفوقه على أقرانه حسنا ورجاحة، وقد سر الأم الأرملة منظر ابنها تماما كما سكب الخوف في جوفها نظير الحسد والغيرة التي راحت تخشى منها على فلذة كبدها و وحيدها.

فراحت تُداري عنه الحسد بأن تُري الناس أنه مثل أقرانه لا يتفوق عليهم في شيء، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، فقد أقر الجميع على أن يكون ابنها مثار للحسد والغيرة، فكانوا يطلبون وده، ويشحون عنه نظير استعلائه البادي، فذاق بالمكان ضرعا وجمع أشيائه ذات مساء وقرر أن يخرج إلى ارض غير هذه الأرض إن طلع الصبح عليه حيا يرزق، نال الأسى والحزن من قلب مريومة وهي ترى عزيزا أخر يرحل عنها وتاركا إياها في وحدتها تصارع ما تبقى لها من مشاعر.

رحل الرجل المحسود وترك أمه خلفه، باحثا في هذه الأرض عن مكان يجد فيه نفسه ويكون فيه مثله مثل باقي أقرانه من الشباب، فستقر به المقام بأرض كان فيها من الخير الكثير فوجد لنفسه فيها مستقرا إلى حين، بدأه بعمل يدفع عنه الحاجة والفقر ويشد به عوده ويزيده قوة الرجل الكادح إلى قوته، دأب على العمل وراح ينتقل من وظيفة إلى أخرى فيجرب هذه فيفشل ويجرب غيرها فيبرع فيها، فيغدق في إرسال المال لأمه فيوسع عليها في عيشها، لكنه لم يدرك أن قلبها راح يضيق ببعده يوما بعد يوم.

تجلس كل يوم في فناء دارها في صمت و كأنها تحادث جدران بيتها غدت الحسرة تسكن قلبها وهي التي أرادت أن ترى في ابنها ذلك الرجل غير كل الرجال، وراحت تُفني من عمرها لتراه صلبا قويا واثق الخطى يشق طريقه في رحاب الحياة ويصارع همومها وألمها بكل الحب الذي منحته إياه.

بشرى لها يوم تحقق مرادها فدخل الدار وهو يحمل بين يديه حفيدها، الذي راحت تلاعبه حتى سكنت الغيرة في قلب مروان من ابنه، كانت أم حفيدها امرأة ذات قوام رشيق يظهر على صفحات وجهها أنها تربت على أيدي عزيزة، فكانت ذات ممشى رقيق ومبسم لطيف و أيدي لا تكف عن لملمت دار الأرملة فغدت الحياة تدب في زوايا المنزل.

 راحت الضحكات تملئ المكان وسرت الأرملة أيما سرور بالعروس أم الحفيد، ورُحن نسوة يتوافدن على الدار، ليطلعن على البدر الذي حط عند هذه الدار، ووئد فضولهن في استخبار حقيقة المرأة التي اختارها الفتى المحسود لتكون زوجته ورفيقة دربه، فراحت الأحاديث تتبادل هنا وهناك خلف كل ركن، وعند كل ملقى و رحن يألفن بدائع الكلام فيه القليل من الحقيقة والكثير من التزييف.

 حتى ذاق الفتى بالمكان، وصم أذنه عن رد السلام، و في ذات صباح بعد أن نثرت الشمس سهامها المشرقة على ربوع الأرض تفطن الجيران بعد تحية والسلام ، على غياب الأرملة وابنها، والزوجة الغريبة ومن يومها لم يعرف لهم طريق ولم تذكر لهم سيرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدشيشة الأكلة الصحراوية التقليدية المميزة لمنطقة ورقلة

لمحة عن كتاب-رواية ريح الجنوب- لعبد الحميد بن هدوقة

لمحة عن كتاب-رواية شيفرة بلال- للكاتب أحمد خيري العمري

لمحة عن كتاب-الروح المتحررة- للكاتب مايكل سينغر

لمحة عن كتاب-رواية منزل القردة-للكاتب جون فولرتون

لمحة عن كتاب-رواية صاحب الظل الطويل- للكاتبة جين ويبستر

راعي الإبل (الجزء الرابع)

راعي الإبل (الجزء الثالث)

راعي الإبل (الجزء الثاني)

قصة قصيرة-راعي إبل-